بغض النظر عن النتيجة التي ستنتهي فيها المواجهات العسكرية في ​السويداء​، ما يمكن التأكيد عليه هو أن ​السلطة الجديدة في سوريا​ أثبتت، مرة جديدة، أنها ليست قادرة على إقناع مختلف المكونات الطائفية والعرقية علىالعيش تحت سلطتها، بسبب تركيبتها المعروفة من قبل جميع الجهات المعنية، سواء كانت داخلية أو خارجية، حتى ولو قررت هذه المكونات، في مرحلة ما، المهادنة معها.

إنطلاقاً من ذلك، من الضروري العودة إلى ما حصل في الساحل السوري، في شهر آذار الماضي، حيث لا تزال السلطة عاجزة عن محاسبة المسؤولين عن المجازر التي وقعت في ذلك الوقت، قبل الإنتقال إلى قراءة مستقبل الأوضاع في السويداء، بعد ما حصل في الأيام الماضية، من دون تجاهل إستمرار الخلافات مع "​قوات سوريا الديمقراطية​".

من المفارقات الأساسية في هذا المجال، التي تستحق التوقف عندها، هو مبادرة وزارتي الدفاع والداخلية، خلال المعارك في السويداء، إلى توجيه تحذيرات إلى عناصرهما، التي كانت تدخل المدينة بخطابات طائفية، من إرتكاب أي تجاوزات، في مؤشر على ادراكها أن هذه العناصر من الممكن أن تقدم على ذلك، خصوصاً أن تجربة ما حصل في الساحل لا تزال حاضرة في الأذهان، في حين أن الفيديوهات كانت قد بدأت بالإنتشار على نطاق واسع.

في هذا الإطار، كان من الواضح، أن السلطة الجديدة، منذ لحظة وصولها إلى دمشق، لا تبحث إلا عن ​الشرعية الخارجية​، تحديداً من قبل الولايات المتحدة، التي تقود إلى رفع العقوبات عن أبرز قياداتها، حتى ولو كان ذلك من خلال تجاهل الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة، أو حتى فتح أبواب التفاوض مع تل أبيب، وصولاً إلى إعلان رئيسها الإنتقالي أحمد الشرع أن لديه أعداء مشتركين معها.

في المقابل، لم تبادر إلى أي خطوة إيجابية بإتجاه الداخل السوري، بل على العكس بادرت إلى التهديد بإستخدام القوة ضد كل من لديه إعتراضات عليها، بالتزامن مع فتح الباب أمام "تجاوزات" الفصائل غير "المنضبطة" أو الأحداث التي توصف بأنها "فردية"، التي تتعهد دائماً بمحاسبة المسؤولين عنها من دون أن تقوم ذلك من الناحية العملية، نظراً إلى أن هذه المهمة مطلوبة بهدف بث الرعب في صفوف من يفكر بالخروج عنها.

هنا، قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن هذه السلطة كانت، على مدى الأشهر الماضية، تتهم "قوات سوريا الديمقراطية" بالتبعية للولايات المتحدة، لكنها عندما أصدر الموفد الأميركي توم براك مواقف مؤيدة لها كانت من المهللين لها، ثم لاحقاً، عند إنطلاق العملية العسكرية في السويداء، كانت بعض الأصوات المقربة منها تتحدث عن أن تل أبيب تخلت عن أهلها، بعد اللقاءات التي حصلت خلال زيارة الشرع إلى أذربيجان، بينما هي كانت قد أعلنت، قبل ساعات من إعلان إسرائيل إنطلاق عملية إستهداف قواتها، عن بدء سحبها من المحافظة.

وسط هذه الأجواء، لا يمكن تجاهل السلوك الإسرائيلي في التعامل مع أحداث السويداء، حيث لم تبادر تل أبيب، رغم التعهدات التي كانت قد أطلقتها في الفترة الماضية، قبل وصول أبناء المحافظة إلى الشعور بأن هناك خطراً وجودياً يتهددهم، الأمر الذي لا يمكن أن يوضع إلا في سياق تكريس نظرية أنها "المنقذ" الوحيد لهم، من أجل دفع، من لا يزال يشعر منهم، بالتخلي عن فكرة إمكانية التعايش مع السلطة الجديدة في دمشق.

في المحصلة، المعادلة لا تزال هي نفسها، لا بل تتأكد أكثر يوماً بعد آخر، سلوك السلطة الجديدة في سوريا لا يمكن أن يقنع مختلف المكونات بالعيش تحت ظلها، ما يدفع إلى السؤال عما إذا كانت القوى التي سمحت لها بالوصول، بعد سقوط النظام السابق، كانت تريد منها هذه المهمة، وبالتالي هي حققت، دون أدنى شك، نجاحاً كبيراً.